فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو حيان:

{هل ينظرون إلا تأويله} أي مآل أمره وعاقبته قاله قتادة ومجاهد وغيرهما، قال ابن عباس مآله يوم القيامة.
وقال السدّي في الدنيا كوقعة بدر ويوم القيامة أيضًا، وقال الزمخشري ما يؤول إليه من تبيين صدقه وظهور صحته ما نطق به من الوعد الوعيد والتأويل مادته همزة وواو ولام من آل يؤول، وقال الخطابي: أوّلت الشيء رددته إلى أوّله فاللفظة مأخوذة من الأول انتهى وهو خطأ لاختلاف المادتين.
{يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل إلينا ربّنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل} أي يظهر عاقبة ما أخبر به من الوعد والوعيد وذلك يوم القيامة يسأل تاركوا أتباع الرسول هل لنا من شفعاء سؤالًا عن وجه الخلاص في وقت أن لا خلاص وفي الكلام حذف أي لقد جاءت رسل ربّنا بالحق ولم نصدقهم أو ولم نتبعهم {فهل لنا من شفعاء} والرّسل هنا الأنبياء أخبروا يوم القيامة أنّ الذي جاءتهم به رسلهم هو الحق.
وقيل: ملائكة العذاب عند المعاينة ما أنذروا به، وقرأ الجمهور {أو نرد} برفع الدّال فنعمل بنصب اللام عطف جملة فعلية على جملة اسمية وتقدّمهما استفهام فانتصب الجوابان أي هل شفعاء لنا فيشفعوا لنا في الخلاص من العذاب أو هل نرد إلى الدّنيا فنعمل عملًا صالحًا، وقرأ الحسن: فيما نقل الزمخشري بنصب الدال ورفع اللام، وقرأ الحسن فيما نقل ابن عطية وغيره برفعهما عطف {فنعمل} على {نرد}، وقرأ ابن أبي إسحاق وأبو حيوة بنصبهما فنصب {أو نرد} عطفًا على {فيشفعوا لنا} جوابًا على جواب فيكون الشفعاء في أحد أمرين إما في الخلاص من العذاب وإما من الرّد إلى الدنيا لاستئناف العمل الصالح وتكون الشفاعة قد انسحبت على الردّ أو الخلاص و{فنعمل} عطف على فنرد ويحتمل أن يكون {أو نرد} من باب لألزمنك أو تقضيني حقي على تقدير من قدّر ذلك حتى تقضيني حقي أو كي تقضيني حقي فجعل اللزوم مغيًا بقضاء حقه أو معلولًا له لقضاء حقه وتكون الشفاعة إذ ذاك في الرد فقط وأما على تقدير سيبويه ألا إني لألزمنك إلا أن تقضيني فليس يظهر أنّ معنى {أو} معنى إلا هنا إذ يصير المعنى هل تشفع لنا شفعاء إلا أن نرد وهذا استثناء غير ظاهر وقولهم هذا هل هو مع الرّجاء أو مع اليأس فيه الخلاف الذي في ندائهم {أن أفيضوا}، قال القاضي وهي تدل على حكمين على أنهم كانوا قادرين على الإيمان والتوبة ولذلك سألوا الردّ الثاني إن أهل الآخرة غير مكلفين خلافًا للمجبرة والنجار لأنها لو كانت كذلك ما سألوا الردّ بل كانوا يتوبون ويؤمنون.
{قَد خسروا أنفسهم وضلّ عنهم ما كانوا يفترون} أي خسروا في تجارة أنفسهم حيث ابتاعوا الخسيس الفاني من الدّنيا بالنفيس الباقي من الآخرة وبطل عنهم افتراؤهم على الله ما لم يقله ولا أمرهم به وكذّبهم في اتخاذ آلهة من دون الله. اهـ.

.قال أبو السعود:

{هل ينظرون إلا تأويله} أي ما ينتظر هؤلاء الكفرة بعدم إيمانهم به إلا ما يؤول إليه أمره من تبين صدقه بظهور ما أخبر به من الوعد والوعيد {يوم يأتى تأويله} وهو يوم القيامة {يقول الذين نسوه من قبل} أي تركوه ترك المنسي من قبل إتيان تأويله {قد جاءت رسل ربنا بالحق} أي قد تبين أنهم قد جاءوا بالحق {فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا} اليوم ويدفعوا عنا العذاب {أو نرد} أي هل نرد إلى الدنيا وقرئ بالنصب عطفا على فيشفعوا أو لأن أو بمعنى إلى أن، فعلى الأول المسؤول أحد الأمرين، إما الشفاعة الدفع للعذاب أو الرد إلى الدنيا وعلى الثاني أن يكون لهم شفعاء إما لأحد الأمرين أو لأمر واحد هو الرد {فنعمل} بالنصب على أنه جواب الاستفهام الثاني وقرئ بالرفع أي فنحن نعمل {غير الذي كنا نعمل} أي في الدنيا {قد خسروا أنفسهم} بصرف أعمارهم التي هي رأس مالهم إلى الكفر والمعاصي {وضل عنهم ما كانوا يفترون} أي ظهر بطلان ما كانوا يفترونه من أن الأصنام شركاء الله تعالى وشفعاؤهم يوم القيامة. اهـ.

.قال الألوسي:

{هَلْ يَنظُرُونَ} أي ما ينتظر هؤلاء الكفرة بعدم إيمانهم به شيئًا {إِلاَّ تَأْوِيلَهُ} أي عاقبته وما يؤول إليه أمره من تبين صدقه بظهور ما أخبر به من الوعد والوعيد، والمراد أنهم بمنزلة المنتظرين وفي حكمهم من حيث إن ما ذكر يأتيهم لا محالة، وحينئذٍ فلا يقال: كيف ينتظرونه وهم جاحدون غير متوقعين له؟.
وقيل: إن فيهم أقوامًا يشكون ويتوقعون فالكلام من قبيل بنو فلان قتلوا زيدًا {يَوْمَ يَأْتِى تَأْوِيلُهُ} وهو يوم القيامة، وقيل: هو ويوم بدر {يَقُولُ الذين نَسُوهُ} أي تركوه ترك المنسي فأعرضوا عنه ولم يعملوا به {مِن قَبْلُ} أي من قبل إتيان تأويله {قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبّنَا بالحق} أي قد تبين أنهم قد جاؤوا بالحق، وإنما فسر بذلك لأنه الواقع هناك ولأنه الذي يترتب عليه طلب الشفاعة المفهوم من قوله سبحانه: {فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا} اليوم ويدفعوا عنا ما نحن فيه {أَوْ نُرَدُّ} عطف على الجملة قبله داخل معه في حكم الاستفهام.
و{مِنْ} مزيدة في المبتدأ.
وجوز أن تكون مزيدة في الفاعل بالظرف كأنه قيل: هل لنا من شفعاء أو هل نرد إلى الدنيا؟ ورافعه وقوعه موقعًا يصلح للاسم كما تقول ابتداء هل يضرب زيد، ولا يطلب له فعل آخر يعطف عليه فلا يقدر هل يشفع لنا شافع أو نرد قاله الزمخشري، وأراد كما في الكشف لفظًا لأن الظرف مقدر بجملة، و{هَلُ} مما له اختصاص بالفعل، والعدول للدلالة على أن تمني الشفيع أصل وتمنى الرد فرع لأن ترك الفعل إلى الاسم مع استدعاء هل للفعل يفيد ذلك فلو قدر لفاتت نكتة العدول معنى مع الغنى عنه لفظًا، وقرأ ابن أبي إسحاق {أَوْ نُرَدُّ} بالنصب عطفًا على {فَيَشْفَعُواْ لَنَا} المنصوب في جواب الاستفهام أو لأن {أَوْ} بمعنى إلى أن أو حتى أن على ما اختاره الزمخشري إظهارًا لمعنى السببية، قال القاضي: فعلى الرفع المسؤول أحد الأمرين الشفاعة والرد إلى الدنيا، وعلى النصب المسؤول أن يكون لهم شفعاء إما لأحد الأمرين من الشفاعة في العفو عنهم والرد إن كانت {أَوْ} عاطفة وإما لأمر واحد إذا كانت بمعنى إلى أن إذ معناه حينئذٍ يشفعون إلى الرد، وكذا إذا كانت بمعنى حتى إن أي يشفعون حتى يحصل الرد.
{فَنَعْمَلَ} بالنصب جواب الاستفهام الثاني أو معطوف على {نُرَدُّ} مسبب عنه على قراءة ابن أبي إسحاق.
وقرأ الحسن بنصب {نُرَدُّ} ورفع {نَعْمَلْ} أي فنحن نعمل {غَيْرَ الذي كُنَّا نَعْمَلُ} أي في الدنيا من الشرك والمعصية {قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ} بصرف أعمارهم التي هي رأس مالهم إلى الشرك والمعاصي {وَضَلَّ عَنْهُم} غاب وفقد {مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} أي الذي كانوا يفترونه من الأصنام شركاء لله سبحانه وشفعاءهم يوم القيامة، والمراد أنه ظهر بطلانه ولم يفدهم شيئًا. اهـ.

.قال ابن عاشور:

جملة {هل ينظرون إلا تأويله} مستأنفة استينافًا بيانيًا، لأنّ قوله: {ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون} يثير سؤال من يسأل: فماذا يؤخّرهم عن التّصديق بهذا الكتاب الموصوف بتلك الصّفات؟ وهل أعظم منه آية على صدق الرّسول صلى الله عليه وسلم فكان قوله: {هل ينظرون} كالجواب عن هذا السّؤال، الذي يجيش في نفس السّامع.
والاستفهام إنكاري ولذلك جاء بعده الاستثناء.
ومعنى {ينظرون} ينتظرون من النّظرة بمعنى الانتظار، والاستثناء من عموم الأشياء المنتظرات، والمراد المنتَظرات من هذا النّوع وهو الآيات، أي ما ينتظرون آية أعظم إلاّ تأويل الكتاب، أي إلاّ ظهور ما تَوَعدَّهم به، وإطلاق الانتظار هنا استعارة تهكميّة: شبه حال تمهّلهم إلى الوقت الذي سيحلّ عليهم فيه ما أوعدهم به القرآن بحال المنتظرين، وهم ليسوا بمنتظرين ذلك إذ هم جاحدون وقوعه، وهذا مثل قوله تعالى: {فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة} [محمد: 18] وقوله: {فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم} [يونس: 102] والاستثناء على حقيقته وليس من تأكيد الشّيء بما يشبه ضدّه لأنّ المجاز في فعل {ينظرون} فقط.
والقصر إضافي، أي بالنّسبة إلى غير ذلك من أغراض نسيانهم وجحودهم بالآيات، وقد مضى القول في نظير هذا التّركيب عند قوله تعالى: {هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك} في سورة الأنعام (158).
والتّأويل توضيحُ وتفسير ما خفي، من مقصد كلام أوْ فعل، وتحقيقه، قال تعالى: {سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرًا} [الكهف: 78] وقال: {هذا تأويل رؤياي من قبل} [يوسف: 100] وقال: {ذلك خير وأحسن تأويلًا} [النساء: 59] وقد تقدّم اشتقاقه ومعناه في المقدّمة الأولى من مقدّمات هذا التّفسير.
وضمير. عائد إلى كتابٍ من قوله: {ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم} [الأعراف: 52].
وتأويله وضوح معنى ما عَدّوه محالا وكذبًا، من البعث والجزاء ورسالة رسول من الله تعالى ووحدانية الإله والعقاب، فذلك تأويل ما جاء به الكتاب أي تحقيقه ووضوحه بالمشاهدة، وما بعد العّيان بيان.
وقد بيّنتْه جملة {يوم يأتي تأويله يقول} إلخ، فلذلك فصلت، لأنّها تتنزل من التي قبلها منزّلة البيان للمراد من تأويله، وهو التأويل الذي سيظهر يوم القيامة، فالمراد باليوم يوم القيامة، بدليل تعلّقه بقوله: {يقول الذين نسوه من قبل} الآية فإنّهم لا يعلمون ذلك ولا يقولونه إلاّ يوم القيامة.
وإتيان تأويله مجازٌ في ظهوره وتبيّنِه بعلاقة لزوم ذلك للإتيان.
والتّأويل مراد به ما به ظهور الأشياء الدّالة على صدق القرآن.
فيما أخبرهم وما توعّدهم.
و{الذين نسوه} هم المشركون، وهم معاد ضمير {ينظرون} فكان مقتضى الظّاهر أن يقال: يقُولون، إلاّ أنّه أظهر بالموصولية لقصد التّسجيل عليهم بأنّهم نسُوه وأعرضوا عنه وأنكروه، تسجيلًا مرادًا به التّنبيه على خطئِهم والنَّعي عليهم بأنّهم يجرّون بإعراضهم سوء العاقبه لأنفسهم.
والنّسيان مستعمل في الإعراض والصدّ، كما تقدّم في قوله: {كما نسوا لقاء يومهم هذا} [الأعراف: 51]
والمضاف إليه المقدّرُ المنبيء عنه بناءُ {قبلُ} على الضم: هو التّأويلُ، أو اليوم، أي من قبل تأويله، أو من قبل ذلك اليوم، أي في الدّنيا.
والقول هنا كناية عن العلم والاعتقاد، لأنّ الأصل في الأخبار مطابقتها لاعتقاد المخبر، أي يتبيّن لهم الحقّ ويصرّحون به.
وهذا القول يقوله بعضهم لبعض اعترافًا بخطئهم في تكذيبهم الرّسول صلى الله عليه وسلم وما أخبر به عن الرّسل من قبله، ولذلك جمع الرّسل هنا، مع أنّ الحديث عن المكذّبين محمّدًا صلى الله عليه وسلم وذلك لأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب لهم الأمثال بالرّسل السابقين، وهم لما كذّبوه جرَّأهم تكذيبه على إنكار بعثة الرّسل إذ قالوا: {ما أنزل الله على بشر من شيء} [الأنعام: 91] أو لأنّهم مشاهدون يومئذ ما هو عقاب الأمم السّابقة على تكذيب رسلهم، فيصدر عنهم ذلك القول عن تأثّر بجميع ما شاهدوه من التّهديد الشّامل لهم ولمن عداهم من الأمم.
وقولهم: {قد جاءت رسل ربنا بالحق} خبر مستعمل في الإقرار بخطَئهم في تكذيب الرّسل، وإنشاء للحسرة على ذلك، وإبداء الحيرة فيما ذا يَصْنعون.
ولذلك رتّبوا عليه وفرعوا بالفاء قولهم: {فهل لنا من شفعاء} إلى آخره.
والاستفهام يجوز أن يكون حقيقيًا يقوله بعضهم لبعض، لَعلّ أحدهم يرشدهم إلى مخلص لهم من تلك الورطة، وهذا القول يقولونه في ابتداء رؤية ما يهدّدهم قبل أن يوقنوا بانتفاء الشّفعاء المحكي عنهم في قوله تعالى: {فما لنا من شافعين ولا صديق حميم} [الشعراء: 100، 101] ويجوز أن يكون الاستفهام مستعملًا في التّمني، ويجوز أن يكون مستعملًا في النّفي.